للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا بعده على نظمه وتأليفه وعذوبة منطقه وصحة معانيه، وما فيه من الأمثال والأشياء التى دلت على البعث وآياته، والإنباء بما كان وبما يكون، وبما فيه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والامتناع من إراقة الدماء، وصلة الأرحام، إلى غير ذلك، فكيف يقدر على ذلك أحد وقد عجزت عنه العرب الفصحاء والخطباء البلغاء، والشعراء الفهماء، من قريش وغيرها، وهو- صلى الله عليه وسلم- فى مدة ما عرفوه قبل نبوته وأداء رسالته أربعين سنة لا يحسن نظم كتاب، ولا عقد حساب، ولا يتعلم سحرا، ولا ينشد شعرا، ولا يحفظ خبرا، ولا يروى أثرا، حتى أكرمه الله بالوحى المنزل، والكتاب المفصل، فدعاهم إليه وحاجهم به، قال الله تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ «١» ، وشهد له فى كتابه بذلك فقال تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ «٢» .

وأما ما عدا القرآن من معجزاته- صلى الله عليه وسلم-، كنبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام ببركته، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدى به، ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده- صلى الله عليه وسلم- من خوارق العادات شىء كثير- كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة على- وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت موارد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر ورواه العدد الكثير، والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه المرتبة لعدم عنايتهم بذلك.

فلو ادعى مدع أن غالب هذه الوقائع مفيد للقطع النظرى لما كان مستبعدا، وذلك أنه لا مرية أن رواة الأخبار فى كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار فى الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة مخالفة الراوى فيما حكاه من ذلك. ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم


(١) سورة يونس: ١٦.
(٢) سورة العنكبوت: ٤٨.