ما شئت قل فيه فأنت مصدق ... فالحب يقضى والمحاسن تشهد
ولقد أبدع الإمام الأديب شرف الدين الأبوصيرى حيث قال:
دع ما ادعته النصارى فى نبيهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم
يعنى أن المداح وإن انتهوا إلى أقصى الغايات والنهايات لا يصلون إلى شأوه، إذ لا حدّ له، ويحكى أنه رؤى الشيخ عمر بن الفارض السعدى فى النوم فقيل له: لم لا مدحت النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال:
أرى كل مدح فى النبى مقصرا ... وإن بالغ المثنى عليه وأكثرا
إذا الله أثنى بالذى هو أهله ... عليه فما مقدار ما يمدح الورى
قال الشيخ بدر الدين الزركشى: ولهذا لم يتعاط فحول الشعراء المتقدمين- كأبى تمام والبحترى وابن الرومى- مدحه- صلى الله عليه وسلم-، وكان مدحه عندهم من أصعب ما يحاولونه، فإن المعانى دون مرتبته، والأوصاف دون وصفه، وكل غلو فى حقه تقصير، فيضيق على البليغ بحال النظم، وعند التحقيق إذا اعتبرت جميع الأمداح التى فيها غلو بالنسبة إلى من قرضت له وجدتها صادقة فى حق النبى- صلى الله عليه وسلم-، حتى كأن الشعراء على صفاته كانوا يعتمدون وإلى أمداحه كانوا يقصدون، وقد أشار الأبوصيرى بقوله:«دع ما ادعته النصارى فى نبيهم» إلى ما أطرت النصارى به عيسى ابن مريم من اتخاذه إلها. قال النيسابورى: إنهم صحفوا فى الإنجيل «عيسى نبى وأنا ولدته» فحرفوا الأول بتقديم الباء الموحدة وخففوا اللام فى الثانى، فلعنة الله على الكافرين. فإن قلت: هل ادعى أحد فى نبينا- صلى الله عليه وسلم- ما ادعى فى عيسى؟ أجيب: بأنهم قد كادوا أن يفعلوا نحو ذلك حين قالوا له- صلى الله عليه وسلم-:
أفلا نسجد لك؟ قال:«لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»«١» فنهاهم عما عساه يبلغ بهم من العبادة.
(١) صحيح: والحديث أخرجه أبو داود (٢١٤٠) فى النكاح، باب: فى حق الزوج على-