وقال البيهقى: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التى حملها الخلف عن السلف، انتهى. وهذه الآية من أكبر الآيات والمعجزات الدالة على نبوة نبينا- صلى الله عليه وسلم-. قال الشافعى- فيما نقله ابن أبى حاتم عنه، فى مناقبه-: ما أعطى الله نبيّا ما أعطى نبينا محمدا- صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمد حنين الجذع حتى سمع صوته، فهو أكبر من ذلك. وقال القاضى عياض: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم: أبى ابن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدرى، وبريدة، وأم سلمة، والمطلب بن أبى وداعة، انتهى.
فأما حديث أبى، فرواه الشافعى من حديث الطفيل بن أبى بن كعب عن أبيه، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلى إلى جذع إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة، وتسمع الناس خطبتك؟ قال:«نعم» فصنع له ثلاث درجات، هى التى على المنبر، فلما صنع وضعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موضعه الذى هو فيه، فكان إذا بدا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يخطب عليه، تجاوز الجذع الذى كان يخطب عليه، خار حتى تصدع وانشق، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، الحديث.
وأما حديث جابر، فرواه البخارى من طرق، وفى لفظ له: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل من الأنصار: ألا نجعل لك منبرا؟ قال:«إن شئتم» فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة رفع إلى المنبر، فصاحت النخلة فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبى الذى يسكن، قال:«كانت تبكى على ما كانت تسمع من الذكر عندها»«١» .
(١) صحيح: والحديث عند البخارى (٣٥٨٤ و ٣٥٨٥) فيما سبق، من حديث جابر- رضى الله عنه-.