للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرطبى: قصة نبع الماء من بين أصابعه قد تكررت منه- صلى الله عليه وسلم- فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى، ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا- صلى الله عليه وسلم-، حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، وقد نقل ابن عبد البر عن المزنى أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه- صلى الله عليه وسلم- أبلغ فى المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم. انتهى.

وقد روى حديث نبع الماء جماعة من الصحابة، منهم أنس وجابر وابن مسعود. فأما حديث أنس ففى الصحيحين قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوضوء فوضع يده فى ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم وفى لفظ البخارى: كانوا ثمانين رجلا، وفى لفظ له: فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم، قال: فقلنا لأنس كم كنتم قال:

كنا ثلاثمائة «١» .

قوله: «حتى توضؤوا من عند آخرهم» قال الكرمانى: حتى للتدريج، ومن للبيان، أى: توضأ الناس حتى توضأ الذين هم عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، و «عند» بمعنى «فى» لأن «عند» وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضى أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال: الذين هم فى آخرهم.

وقال التيمى: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر، وقال النووى: «من» هنا بمعنى «إلى» وهى لغة، وتعقبه الكرمانى بأنها شاذة، قال:

ثم إن «إلى» لا يجوز أن تدخل على «عند» ويلزم عليه وعلى ما قاله التيمى أن لا يدخل إلا خبر، لكن ما قاله الكرمانى من أن «إلى» لا تدخل على عند


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٦٩) فى الوضوء، باب: التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، وأطرافه (١٩٥ و ٢٠٠ و ٣٥٧٢ و ٣٥٧٣ و ٣٥٧٤ و ٣٥٧٥) ، ومسلم (٢٢٧٩) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى الله عليه وسلم-.