للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلاة والسلام- سواه من الأنوار فإنما هو من نوره الفائض ومدده الواسع من غير أن ينقص منه شىء.

وأول ما ظهر ذلك فى آدم- عليه السّلام-، حيث جعله الله خليفة وأمده بالأسماء كلها من مقام جوامع الكلم التى لمحمد- صلى الله عليه وسلم- فظهر بعلم الأسماء كلها على الملائكة القائلين: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ «١» ، ثم توالت الخلائف فى الأرض إلى أن وصل زمان وجود صورة جسم نبينا- صلى الله عليه وسلم- الشريف لإظهار حكم منزلته، فلما برز كان كالشمس اندرج فى نوره كل نور، وانطوى تحت منشور آياته كل آية لغيره من الأنبياء، ودخلت الرسالات كلها فى صلب نبوته، والنبوات كلها تحت لواء رسالته، فلم يعط أحد منهم كرامة أو فضيلة إلا وقد أعطى- صلى الله عليه وسلم- مثلها.

فادم- عليه الصلاة والسلام- أعطى أن الله تعالى خلقه بيده، فأعطى سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- شرح صدره، وتولى الله تعالى شرح صدره بنفسه، وخلق فيه الإيمان والحكمة، وهو الخلق النبوى، فتولى من آدم الخلق الوجودى ومن سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- الخلق النبوى، مع أن المقصود- كما مر- من خلق آدم خلق نبينا فى صلبه، فسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- المقصود وآدم الوسيلة، والمقصود سابق على الوسيلة «٢» .

وأما سجود الملائكة لآدم، فقال فخر الدين الرازي فى تفسيره: إن الملائكة أمروا بالسجود لآدم لأجل أن نور محمد- صلى الله عليه وسلم- كان فى جبهته «٣» ، ولله در القائل:


(١) سورة البقرة: ٣٠.
(٢) قلت: الحديث الوارد فى ذلك، ضعيف جدّا، ولا حجة فيه، أما غاية الخلق، فهى كما ذكرها الله حيث قال: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات: ٥٦] .
(٣) قلت: وهذا أيضا لا حجة فيه، ولم يذكر أئمة التفاسير المسندة هذه الروايات بأسانيد صحيحة أو ضعيفة، بل هى من شطحات الصوفية التى تغالى فى شخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذى قال عن نفسه «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» صحيح أخرجه مسلم.