فدخل على بعض أمهات المؤمنين- لعلها خالته ميمونة- فأخرجت له المرآة التى كانت للنبى- صلى الله عليه وسلم- فنظر فيها صورة النبى- صلى الله عليه وسلم- ولم ير صورة نفسه.
وقال الغزالى: ليس معنى قوله: «فقد رآنى» أنه رأى جسمى وبدنى وإنما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذى فى نفسى إليه، وكذلك قوله:«فسيرانى فى اليقظة» ليس المراد أنه يرى جسمى وبدنى.
قال: والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية، والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق. قال: ومثل ذلك من يرى الله تعالى فى المنام، فإن ذاته تعالى منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهى تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال آلة حقّا فى كونه واسطة فى التعريف، فيقول الرائى: رأيت الله عز وجل فى المنام، لا يعنى أنى رأيت ذات الله تعالى، كما يقول فى حق غيره.
وقال الغزالى أيضا فى بعض فتاويه: من رأى الرسول- يعنى فى المنام- لم ير حقيقة شخصه المودع روضة المدينة، وإنما رأى مثاله لا شخصه، ثم قال: وذلك المثال مثال روحه المقدسة عن الصورة والشكل.
وقال الطيبى: المعنى من رآنى فى المنام بأى صفة كنت فليبشر وليعلم أنه قد رآنى الرؤيا الحق، أى رؤية الحق لا الباطل، وكذا قوله:«فقد رآنى» فالشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية فى الكمال، أى فقد رآنى رؤيا ليس بعدها شىء.
والحاصل من الأجوبة:
أنه على التشبيه والتمثيل ويدل عليه قوله «فكأنما رآنى فى اليقظة» .
ثانيها: معناه، سيرى فى اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة.