رابعها: المراد أنه فى المرآة التى كانت له إن أمكنه ذلك، قال شيخ مشايخنا الحافظ ابن حجر: وهذا من أبعد المحامل.
خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية، لا مطلق من رآه حينئذ ممن لم يره فى المنام.
والصواب كما قدمناه فى رؤيته- صلى الله عليه وسلم- التعميم، على أى حالة رآه الرائى بشرط أن يكون على صورته الحقيقية فى وقت ما، سواء كان فى شبابه أو رجوليته أو كهوليته، أو آخر عمره، وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائى، كما قال بعض علماء التعبير: إن من رآه شيخا فهو غاية سلم، ومن رآه شابّا فهو غاية حرب.
وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن نصر: من رأى نبيّا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائى وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا فذلك دال على سوء حال الرائى.
وقال العارف ابن أبى جمرة: من رآه فى صورة حسنة فذاك حسن فى دين الرائى، وإن كان فى جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل فى الرائى من جهة الدين. قال: وهذا هو الحق. وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب، وبه تحصل الفائدة الكبرى فى رؤياه حتى يتبين للرائى هل عنده خلل أو لا؟ لأنه- صلى الله عليه وسلم- نورانى مثل المرآة الصقيلة، ما كان فى الناظر إليها من حسن أو غيره تصور فيها، وفى ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها، كذلك يقال فى كلامه- صلى الله عليه وسلم- فى النوم: أنه يعرض على سنته، فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل فى سمع الرائى، فرؤيا الذات الكريمة حق، والخلل إنما هو فى سمع الرائى له أو بصره، قال: وهذا غير ما سمعته فى ذلك، انتهى.
وقال بعضهم: ليست رؤيته- صلى الله عليه وسلم- رؤيا عين، إنما يرى بالبصائر، وذلك لا يستدعى حصر المرئى بل يرى من المشرق إلى المغرب ومن الأرض إلى العرش، كما ترى الصورة فى المرآة المحاذية لها، وليست الصورة منتقلة إلى جرم المرآة، وعين الناظر مقابلة جميع الكائنات كالمرآة.