واختلاف رؤيته- صلى الله عليه وسلم- بأن يراه بعضهم شيخا وآخر شابّا، وآخر ضاحكا وآخر باكيا، يرجع إلى حال الرائين، كاختلاف الصورة الواحدة فى مرائى مختلفة الأشكال والمقادير، ففى الكبيرة يرى وجهه كبيرا، وفى الصغيرة صغيرا، وفى المعوجة معوجّا، وفى الطويلة طويلا، إلى غير ذلك، فالاختلاف راجع إلى اختلاف أشكال المرائى، لا إلى وجه الرائى. كذلك الراؤون له- صلى الله عليه وسلم- أحوالهم بالنسبة إليه مختلفة، فمن رآه متبسما إليه دل على أن الرائى متمسك بسنته، والله أعلم.
وقد أجاب الشيخ بدر الدين الزركشى عن سؤال رؤية جماعة له- صلى الله عليه وسلم- فى آن واحد من أقطار متباعدة، مع أن رؤيته- صلى الله عليه وسلم- حق: بأنه- صلى الله عليه وسلم- سراج، ونور الشمس فى هذا العالم، مثال نوره فى العوالم كلها، وكما أن الشمس يراها كل من فى المشرق والمغرب فى ساعة واحدة وبصفات مختلفة فكذلك النبى- صلى الله عليه وسلم-، ولله در القائل:
كالبدر من أى النواحى جئته ... يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا
وأما رؤيته- صلى الله عليه وسلم- فى اليقظة بعد موته- صلى الله عليه وسلم- فقال شيخنا: لم يصل إلينا ذلك عن أحد من الصحابة، ولا عن من بعدهم.
وقد اشتد حزن فاطمة عليه- صلى الله عليه وسلم- حتى ماتت كمدا بعده بستة أشهر- على الصحيح- وبيتها مجاور لضريحه الشريف، ولم ينقل عنها رؤيته فى المدة التى تأخرت عنه.
وإنما حكى بعض الصالحين حكايات عن أنفسهم، كما هو فى «توثيق عرى الإيمان» للبارزى و «بهجة النفوس» لأبى محمد عبد الله بن جمرة، و «روض الرياحين» للعفيف اليافعى، وغيره من تصانيفه، والشيخ صفى الدين ابن أبى المنصور فى رسالته.
وعبارة ابن أبى جمرة: قد ذكر عن السلف والخلف إلى هلم جرّا عن جماعة كانوا يصدقون بهذا الحديث يعنى «من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة» أنهم رأوه- صلى الله عليه وسلم- فى النوم فرأوه بعد ذلك فى اليقظة، وسألوه عن