للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند الحارث بن أبى أسامة فى مسنده من حديث النعمان بن بشير أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اشترى من أعرابى فرسا، فجحده الأعرابى، فجاء خزيمة فقال: يا أعرابى أنا أشهد عليك أنك بعته، فقال الأعرابى إذ شهد خزيمة فأعطنى الثمن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا خزيمة إنا لم نشهدك، كيف تشهد؟» قال: أنا أصدقك على خبر السماء، ألا أصدقك على خبر ذا الأعرابى؟! فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «شهادته بشهادة رجلين» فلم يكن فى الإسلام من تعدل شهادته شهادة رجلين غير خزيمة.

قال الخطابى: هذا الحديث حمله كثير من الناس على غير محمله، وتذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عندهم بالصدق على كل شىء ادعاه، وإنما وجه الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- حكم على الأعرابى بعلمه، وجرت شهادة خزيمة مجرى التوكيد لقوله، والاستظهار على خصمه، فصار فى التقدير بشهادة اثنين فى غيرها من القضايا، انتهى.

ومن ذلك ترخيصه فى النياحة لأم عطية، روى مسلم عنها «قالت: لما نزلت هذه الآية يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً ... وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ «١» قالت: كان منه النياحة، فقلت: يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدونى فى الجاهلية، فلا بد لى من أن أسعدهم، فقال: «إلا آل فلان» «٢» قال النووى: هذا محمول على الترخيص لأم عطية فى آل فلان خاصة، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء.

ومن ذلك: ترك الإحداد لأسماء بنت عميس، أخرج ابن سعد عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر بن أبى طالب، قال لى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تسلبى ثلاثا ثم اصنعى ما شئت» «٣» .


(١) سورة الممتحنة: ١٢.
(٢) صحيح: والحديث أخرجه مسلم (٩٣٦) فى الجنائز باب: التشديد فى النياحة، وأسعدونى: أى ساعدونى وعاونونى.
(٣) أخرجه ابن الجعد فى «مسنده» (٢٧١٤) ، وتسلبى: أى البسى ثوب الحداد، وهو السلاب، والجمع سلب، وتسلبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطى به المحد رأسها.