فأما بيوتهم فأكثرها خيام تضرب ثم تطوى، وقَلَّ أن كانت من الحجر أو الَّلبِن. وهي من حيث هذا وذلك على عشرة أنحاء: خباء من صوف، وبِجاد من وبَر، وفُسطاط من شَعَر، وسُرِاَدق من قطن، وقشع من جلد، وطرف من أدم، وحَظيرة من شَذَب وخيمة من شجر، وأُقنة من جر، وكُبّة من لبن. وهي بسائط التكوين. ومَثَلها في ذلك كمثل ما أحاط بها من سهل، وجبل، وجوّ، وأرض، وسماء. وغير أن أشرفهم لغدوّهم على حواضر البلاد وغشيانهم مجالس الملوك، كانوا يتأنَّقون بعض الأنقة في بيوتهم، وينقلون إليها من تلك المظاهر ما لا تنبو عنه طباعهم، ولا أسلوب حياتهم. وربما جمع الرجل بين هذه البيوت كلها أو بعضها ليتخذ منها مأوى لضيفانه، ومثوى لعشيرته، وحظيرة لماشيته، وجلساً لنسائه، ومهبطا لسُماره.
وكانت للنساء مجالس يجتمعن فيها فيتناقلن الحديث، ويتجاذبن أطراف الكلام، كما كانت للرجال أندية يتسامرون فيها ويتشاورون وذلك ما يراد من قول عمرو بن كلثوم في وصيته لأبنائه حيث يقول؛ وأبعدوا بيوت النساء عن بيوت الرجال، فإنه أغض للبصر.
أما المدن فمستقر الدور والقصور. وهي لا تقل في شيء عما سواها في مختلف الأقطار والأمصار، وبينها أبدع ما وضعته الأيدي، وأثمرته العقول. ففي غُمدان وظفار وأشباههما. وفي العراق الخَوَرْنَقُ والسَّدير وأضرابهما. وفي الشام السُّوَيداء وقصر الغَدير ونظائرهما. وفي تدمر وتيماء الرواق الأعظم، والأبلق الفرد وأمثالهما. وفي كل مدينة من القصور الشمم ما لا تناله العُصْم، ومن دونها قصور لا تدانيها سناء ولا بناء. على أن لها نصيبها من جلال وجمال. ومن ذلك تعلم أن