للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشبيه بذلك قول من يقول:

وقالوا عُقاب قلت عقبي من الهوى ... دنت بعد هجر منهم ونزُح

وقالوا حمامات فحُمّ لقاؤها ... وعاد لنا حلو الشباب ربيح

وقالوا تغنى هدهد فوق بأنه ... فقلت هدى نغدو به ونروح

لكل ذلك كان الغراب أشد ما يروعهم، وتُطوف به أعينهم، لما ينيء عنه اسمه من الغربة، ولروعة سواده إن كان أسود، ولاختلاف لونه إن كان أبقع، ولأنه غريب لا يقطع إليهم، ولأنه لا يوجد في موضع خيامهم يَتَقَمم إلا عند معاينتهم لمساكنه، ومزايلتهم لدورهم. ولأنه ليس شيء من الطير أشد على ذوات الدَّبر من إبلهم من الغربان. لأنه ينقب عن الدّبر حتى يبلغ إلى دايات العنق، وما اتصل بها خرزات الصلب وفقار الظهر قال عنترة:

ظعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى ببينهم الغراب الأبقع

إن الذين نعيت لي بفراقهم ... هم أسهروا ليلى التمام فأوجعوا

وأشد ما يتشاءمون بالغراب إذا ولاهم ظهره أو شماله - وذلك البارح عندهم - أو أبصروه يتفلى وينتتف، أوصاح بهم صيحة واحدة. أما إذا استقبلهم بوجهه أو ثَنى في صوته، فهم به يتيمنون.

ومثلُ الصُّرد عندهم كمثل الغراب فهو طليعة الشؤم، وسبيل الخراب. وهم إذا رأوه ذكروا التصريد، وهو القلة، وانزعجوا مما عسى أن يصيبهم من نقص في الأهل والمال قال قائلهم:

دعا صُرَد يوما على غصن بانة ... وصاح بذات البين فيها غرابها

<<  <  ج: ص:  >  >>