ولكني رأيت الصبر خيراً ... من النعلين والرأس الحليق
وأشد القتال أثقال المصيبة في الرجل يلقي امرأته. فهي تقيم من بعده سنة كاملة لا تمس ماءً، ولا تُقَلَّمُ ظفراً، ولا تزيل شعراً
بل ربما ضاعفت المرأة هذا الشقاء فانتبذت بيتاً صغيراً تقيم فيه عامها بنجوة من الناس، ولبست شر ما تلبس من الثياب.
وإليك ذلك الحديث الكريم فإن فيه وفاءً بتلك العادة المُعْنتة:
حدث البخاري عن حُميد بن نافع عن زينب ابنة أبي سَلمةَ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن ابنتي تُفي عنها زوجها. وقد اشتكت عينها أفَتكحْلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا مرتين أو ثلاثاً. كل ذلك يقول لا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي أربعة أشهر
وعشر وقد كانت إحداكن ترمي بالبعْرة على رأس الحول، قال حُميد بن نافع: فقلت لزينب وما ترمي بالبعَرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حِفْشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ثم تُؤْتى بدابة: حمارٍ أو شاةٍ أو طائرٍ فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات. ثم تخرج فتَعْطى بعرة فترمى. ثم تراجع بعدُ ما شاءت من طيب.
على أن نظرة واحدة في رواية الحديث، وسؤال رواية عما يراد منه على قرب عهده بالجاهلية، تُنْبئنا أن تلك العادة لم تكن عامة شاملة في بطون العرب وشعرها.
وكان قول النساء إذا حُمل الميت من بيته، أو وُوري قبره، أن يقلن: لا يَبْعَدْ. يردن بذلك أننا أحوج ما نكون إليك فلا تحجب دوننا أثر يمينك