حضارتها، وصفحة أهوائها. ذلك الشاعر المُغدِق الفَيَّاض. هو يقول: أجهدت نفسي على أن تقع في الشعر عين أُباغ فامتنعت علىّ فقلت عَيْنْي أباغ فذلك حيث أقول:
فما نجدت بالماء حتى رأيتها ... مع الشمس في عيني أباغ تغور
ذلك قول الشاعر الذي فاق المُحْدثين نفاذاً في القول، ودقة في الوصف. فإذا وعيته وملأت بصرك منه، فانظر إلى قول امرأة من بني شيبان:
وقالوا شاعراً منكم قتلنا ... كذلك الرمُح يَكلَفُ بالكريم
بعين أُباغ قاسمنا المنايا ... فكان قسيمها خير القسيم
ألسنا نرى الكلمة التي تأبَّت على شاعر المهدي والرشيد والأمين، سقيت إلى امرأة من غمار نساء العرب ريّقةً رَيضَة؟.
وما عجب ذلك؟! ألم تدفن المرأة في عين أُباغ غصون روضتها، وليوث غابها؟ فما لها لا تلين لها. وتسكن إليها؟.
ذلك شأن المرأة العربية في الشعر. وغلبتها فيه على الرجل، كغلبة عاطفتها على عاطفته وأي الرجال يملك أن ينوح على زوجه بمثل ما ناحت به جليلة بنت مرة على زوجها؟ أو ليسس ذلك لأنه لا يملك قلباً كقلبها؟ ولا يشعر بالنار تضطرم
جوانحه كما تضطرم بين جوانحها؟
أما لقد تألقت المرأة العربية في سماء الشعر، فنفذ سناها إلى أعطاف الصدور فانحسرت ظلماؤها. وتفرّجت ضوائقها. على حين ترك غيرها من نساء الأمم المختلفة في تباين أطوارهن ومنشعب ديارهن أمكنتهن خالية مظلمة يرتَدُّ عنه الطرف خاسئاً وهو حسير.