وصفه ما بلغت امرأة عربية ألَمَّ عليه الصلاة والسلام بها وهو في طريقه إلى المدينة. فوضفته لزوجها وصفاً جعله ملء سمعه وبصره، ونفسه، ووجدانه.
ولئن اعتز رجال العرب بقوم منهم ضربوا الأمثال، ونشروا مطارف الحكمة، وكشفوا قناع الحقيقة، فإنّ لسانهم أن يعتززن بفريق منهنّ لا يقل عن أولئك شأناً. ولم يتخذن دون مكانهم مكاناً. ومن هؤلاء صُحْر بنت لقمان، وحذَام بنت الريان، وخُصيلة بنت عامر بن الظَّرب. وفاطمة بنت الخرْشب، وهند وجمعة ابنتا الخس الإيادي، وأمثالهن ونظائر هنّ ممن تنبو الأقلام دون الوفاء بذكرهنّ، وذكر ما كان لهنّ من كلمة نافذة، ورأْي مسموع.
أما الشعر - وأخصه شعر العاطفة - فهو حديث أنفسهنّ، ونجوى ضمائرهن، ومَبَثُّ أوجاعهن، ومثار سرائرهن، والمحتكم بألسنتهن احتكام الدموع بأعينهن. ويا رب مُهْتاجة هاضها الشوق، وأضناها الأسى، فلم يأسُ جراح كبدها ولم يطفئ لهيب حشاها إلاَّ بيتان من الشعر جاشت بهما نفسها فزفر بهما صدرها، فجرى بهما لسانها، ففاضت لهما عيناها فسكنت إلى حنين الصوت، واشتفت بنشيج
البكاء.
لعلَّ انسكاب الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشقي نجىّ البلابل
ولئن وقف أبو طالب بن عبد المطلب فناح على أبيه بقصيدة رائعة لقد وقف إلى جانبه أخوته الست: صفية، وبرة، وعاتكة، وأم حكيم، وأميمة، وأروى، فانحسرن عن ست قصائد، هنّ صبيب المهج، وذوب القلوب.
وإن تبغ من القول، والفُسْحة في المقارنة، فدونك فاسمع هذا الحديث:
أبو نواس الحسن بن هانئ شاعر الدولة العباسية. وشعره ثمرة نعَمائها، ومرآة