وإن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتوا لَنَحَّار
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
قال لها: لولا أن أبا بصير الأعشى أنشدني لقلت إنك أشعر أهل الأرض فهاج ذلك جمرة الغضب في صدر حسان، وقال للنابغة: أنا أشعر منك ومنها ومن أبيك! قال النابغة: بماذا؟ فقال: بقولي:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فيروون أن النابغة قال للخنساء: خاطبيه يا خناس. فقالت له: أضعفت افتخارك وأنزرته في ثمانية مواضع. قال: وكيف؟ قالت: الجفنات والجفنات ما دون العشر. ولو قلت البيض لكان أكثر الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت بالضحى ولو قلت بالدجى لكان أكثر طُرَّقاً. وقلت: أسيافنا والأسياف ما دون العشرة، ولو قلت
سيوفنا كان أكثر. وقلت: يقطرن ولو قلت يسِلن لكان أكثر. وقلت: من نجدة والنجدات أكثر من نجدة. وقلت: دماً والدماء أكثر من الدم. فلم يحر حسان جواباً، وانصرف عند ذلك مستحيياً.
لذلك كله نهجت المرأة العربية كل مناهج القول، واستنَّت في جميع ضروبه فأسهبت، حتى استرقت الأسماع. وملكت أزمة القلوب، وأوجزت حتى كشفت عن الحكمة وفصل الخطاب.
ولقد وصف صلى الله عليه وسلم رجال هم أَمَسُّ الناس به، وأطولهم لزاما له وأملؤهم قلبا منه، وهم ملوك القول، وفرسان البيان، ومن بينهم بطل حومتهم، وإمام سُنهم، عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فلم يبلغ واحد من