فانظر كيف شرع النبي صلى الله عليه وسلم شرعة وَضَّاحة صافية لا مجال فيها لنزعات الوهم، وعثرات الوسواس، وكيف اتَّقاها ووَقى الناس شرها من التباس الشك واحتكام الظنون.
إن في دفع النبي صلى الله عليه وسلم شر التهمة عن امرأة الأعرابي لدليلاً لا يقبل الشك على براءتها، وطهارة عرضها. فما كان الرجل فاعلا لو كان في عهد جاهليته ولم يهتد بِقَبس من نور النبوّة؟ ليس بين يديه إلا أن يفتك بها ويروي غليل نفسه بنقيع دمها، أو أن يتلمس العرّافين والمنجمين ليُلقوا إليه بالكلمة الحمقاء فيكون لها ما بعدها. وليس وراء الحالتين إلا عار الدهر، وذلّ الأبد.
لذلك تحامى المسلمون مواطن الظَن، ومداحض التهم، حتى عدُّ الاعتساف في الغيرة سِمَة من الحمق، لا يستحقٌ صاحبها أن يُسَوَّد أو يطاع. ومن ذلك ما قال معاوية ابن أبي سفيان: ثلاث من السؤدد: الصلع، واندحاق البطن، وترك الإفراط في الغيرة.
وقد ظهر في المسلمون كثيرون ذُّموا التورُّط في الغيرة، وتوكيل الريب والظنون بالمرأة؛ ومما سار من القول في ذلك، وحفل بوضوح الرأي فيه، قول مسكين الدارمي:
وإني امرؤ لا آلف البيت قاعداً ... إلى جنب عِرسي لا أفرطها شبرا
ولا مقسم لا أبرح الدهر بيتها ... لأجله قبل الممات لها قبرا