وقد حَدَّث ابن سعد في طبقاته جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد
ضربها زوجها ضرباً شديداً. فقام رسول الله فأنكر ذلك وقال: يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد، ثم قال يظل يعانقها ولا يستحي. وحدّث هو أيضاً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب النساء. فقيل: يا رسول الله إنهن قد فسدن. فقال: اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم. وتلك لعمري أشد وأوكد من المنع ومن ذا الذي يرضي أن يحتسب عند الله ورسوله من الأشرار؟
على أثر ذلك انقطعت تلك السنة الموبقة من قريش، فلم يقترفها إلا رجل لا يأبه بشرع، ولا يركن إلى دين، أما أَهل المدينة من الأوس والخزرج فكأنهم قد خلقوا من طبع رسول الله ومودته ورحمته. فكانوا من أشد الناس تكرمة لنسائهم ورفقاً بهن. بل لقد كانت لهن بينهم صولة لا تقهر، وسلطان لا يرام. وقد تأثرت طباع المسلمين جميعاً بطباع أنصار رسول الله، لمنزلتهم من الدين، مكانهم من عاصمة الإسلام. كما ريضت نفوسهم بقول نبيهم الكريم، صلى الله عليه وسلم. فتجملوا بمواتاة زوجاتهن وموادعتهن، وكف الأذى عنهن. وفي ذلك يقول شُريح صاحب قضاء المسلمين في عهد عمر بن الخطاب ومن أعقبه من الخلفاء:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فُشلت يميني حين أضرب زينبا
ولم يقف الإسلام من كرامة المرأة ورعايتها موقف المكتفي بكف الأذى عنها فحسب بل كان مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفيها، والحرص على سرورها واجتلاب ما يفرحها، ويشرح صدرها. فقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتيان الحبشة فلعبوا بحرابهم بين يديه في المسجد، ودعا عائشة رضي