وهي إحدى القادة الكفاءة الذين دوخوا البلاد، وروعوا الجيوش، وملئوا القلوب أثراً، والأفواه خبراً، والأرض عبراً.
وكانت هي وزوجها يليان قيادة الخوارج. وكان الحجاج بن يوسف مبيد العراق، وسفاك بني أمية، يستمع خبرها، فيمتلئ قلبه رعباً ووهلا.
وقد حدثوا: أنه خرج في جنده، وكله شاكي السلاح، مستكمل العدة، مرهوب الصولة، فعرضت له غزالة في أربعين، وهو في أربعة آلاف. فما لبث أن اختلط عليه الأمر، وخلع قلبه الفزع، وولى هارباً يخلط في قوله، وهو أعرف الناس بمواطن القول وأرفقهم بأساليب الكلام. ولكنه عُقل قلبه، فعقل لسانه. وفي ذلك كتب عمران بن حطان إلى الحجاج، وكان الحجاج قد لجّ في طلبه:
أسد علىَّ وفي الحروب نعامة ... وبداء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة بعساكر ... تركت كتائبه كأمس الدابر
وبلغ من جسارتها، وقوة قلبها، أنها أقسمت لَتُصلين في مسجد الكوفة ركعتين، تقرأ في الأولى سورة البقرة، وفي الثانية آل عمران، والكوفة يومئذ معقل الحجاج، ودار إمرته ومجتمع قوّته.
وقد برت غزالة بقسمها. ودخلت مسجد الكوفة هي وزوجها. ولبثت تصلي
ركعتين تستنفذان نصف النهار. ولما أنبئ الحجاج بها، وتحصن واستوثق من رتاج بيته.
وقد رمى الحجاج غزالة بخمسة جيوش، وهي تلتهمهم التهاماً، حتى أصبحت طِباق العراق ترجف لاسمها. وفي ذلك يقول أيمن بن خُزَيم.