وذُبيان قد عَصَفت هوجاؤُها بهم، واشتدت نارها فيهم، فلم تَذَرْ من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. وهَمَّ من يليهم من العرب بأن يَكْتَوُوا بضرامها، ويصطلوا بلظاها. فلما بَصرت به مرتدياً مطارف العُرس قالت: والله لقد ذكرت من الشرف مالا أراه فيك؟ قال: وكيف؟ أتفرغ للنساء والعرب يقتل بعضها بعضا؟ قال: فيكون ماذا؟ قالت: أخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهما. فخرج لساعته إلى صاحبه خارجةَ ابن سنان وقَص عليه حديث امرأته. فقال خارجة: والله إني لأرى همة وعقلا، ولقد قالت قولا. قال: فاخرج بنا إليه. فخرج الرجلان فمشيا بين القوم بالصلح واحتملا حمائل القوم وديات قتلاهم فكان ما نزلا عنه ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين وهي لعمر أبيك ثروة للأعرابي لا تقوم بما مَلك الحضري من ضياع. وما اختزن من أموال.
ذلك شيء بلغته المرأة يومذَاك من سموّ في الوجود، وإكبار للرأي، وبلوغ من النفس بل لقد كانت وكان الرجل العربي - وهو مَنْ تَعْلم من صلابة العود، ورجاحة الرأي، وفرط الإباء - ينزل تحت حكمها، ويَفيءُ إلى ظلها لسلطانها. إذا آنس منها القدرة على قيادته وسياسته.
وقد نبغ من النساء مشيرات آزرن أزواجهن وذويهن من الملوك والأبطال فأحسن مؤازرتهم؛ وملكات قمن بالأمر من دون الرجال فابتنين مجدا لا يُطاول وبلغن غاية لا ترام.
ونحن ملمون لك بحياة امرأتين ملكتا فاختصهما التاريخ بصفحتين خالدتين واصطفاهما بآيتين بينتين. وهما: -