ألم تر إلى الذين هبطوا من الحبشة كيف قامت المرأة بحجتهم، وفيهم أربعة وثمانون رجلا، كلهم مشيع القلب، مصقول اللسان، فلا دفع منهم ولا استكراه. وهل رأيت إلى المرأة كيف قامت بأمرها إلى رسول الله، وبم تعرج به على زوجها، أو تطلب الإذن منه في خصومتها. ذلك لأن الأمر بينها وبين الله ورسوله، فلا إمرة لأحد عليها، أتى كان مكانه منها.
وكانت هجرة رسول الله قد سبقت ببيعة العقبة، وهي البيعة التي اتحد فيها رسول
الله مع الأنصار خفية، فتوافدوا تحت جنح الليل بالعقبة. وكان وفد الأنصار ثلاثة وسبعين رجلا ومعهم من نسائهم وذوات آرائهم اثنتان: هما نسيبة بنت كعب المازية - وقد عقدنا لها فصلا خاصاً - وأم منيع أسماء بنت عمر السلمية، وهي من أتم القوم عقلا، وأحكمهم رأياً. وقد شهدت مع رسول الله خيبر فكان لها فيها المشهد الأروع والمقام المحمود.