فوضعتها في كَوة في البيت، كان أبي بضيع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت ضع يدك
على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا ولله ما ترك لنا شيئاً، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
وبعد فكل ما أوردناه من حديث تينك المرأتين، لم يكن كل حديث النساء في الهجرة، بل لقد هاجر العدد الموفور منهنّ في رفقة أزواجهنّ إلى الحبشة، وإلى المدينة، فلم يكن في مهنة العمل وتهيئة الطعام فحسب بل من عادة العرب، ولا سنة الإسلام إذا غدا الرجل إلى قطر سحيق كالحبشة أن يُجَشم امرأته ذل الغربة، وأوعار الطريق. ولكنهن خرجن - كما خرج الرجال - في طاعة الله. وهاجرن - كما هاجروا - فراراً بدينهنّ. وذهبن في أزر أزواجهن، مشيرات مؤتمنات، ومعينات صادقات. فأُبْن مآبَ الرجال: فضل زكيّ، وأجر غير منقوص.
ومما يجمل ذكره في هذا الموطن، ما رواه ابن سعد عن أبي حمزة، قال:
لما قدمت أسماء بنت عُميس من أرض الحبشة؛ قال لها عمر بن الخطاب: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة - وأحسبه قالها فاكها - فقالت: إي لعمري لقد صدقت! كنتم مع رسول الله فلأذكرنّ ذلك له. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن رجالاً يغمزون علينا، ويزعمون أناَّ لسنا من المهاجرين الأوّلين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل لكم هجرتان، هاجرتم إلى أرض الحبشة ونحن مُرْهَنون بمكة، ثم هاجرتم بعد ذلك إليَّ.