بين ضلوعها؟ وأية عَزمة تلك التي خفقت في نفسها، والتلاعب بين جوانبها؟
ذلك مثل من تلك النفوس التي استخلصها الله لدينه؛ واصطنعها لدعوته، ونفث فيها من روحه، فكانت مستقر الكمال، ومجتمع أشتات الفضائل.
ولعمري لئن سلمت أسماء من عثرات الطريق، لقد محنت بالشديد المؤلم من بلاء قريش وأذاهم، وهي وادعة في كسر دارها. فلقد أحاط بها رجال القوم ذات صباح ليتعرفوا منها أمر أبيها، فأنكرت أمره، وتجاهلت خبره، ثم أمعنوا في محنتها واشتدوا في أذاها، حتى لقد لطمها الشريف النذل أبو جهل بن هشام لطمة قوية طار لها قرطها، فلم يوهِن ذلك الشيء من عزيمتها، ولا عبث بمكنون سرها.
كذلك اقتحمت أسماء ذلك الطريق الرائع المخوف ثلاث ليال متواليات. وفي الليلة الثالثة - وهي ليلة الزماع على مفارقة الغار إلى عرين الأنصار - وافتهما بزاد السفر كله. فلما آذن رسول الله بالرحيل، نهضت لتْعَلَّق سفرة الزاد، فإذا ليس لها عصام. فلم تجد ما تعصمها به إلا نطاقها. خرجت عنه فشقته نصفين. فعصمت السفرة بنصفه، وكأن السقاء بباقية. فأبدلها الله بنطاقها ذلك نطاقين في الجنة.
كذلك وعدها رسول الله فُسميت منذ ذات النطاقين.
ونذكر من شجون الحديث لأسماء، يتصل بطَرَف من الهجرة قالت:
لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله. خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف. فانطلق بها. قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره. فقال: والله إني لأُراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قلت كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً. قالت فأخذت أحجاراً