وكانت امرأة من فضليات عقائل الأزد. وهي التي تنقلت به من غزة مهبطة إلى مكة مستقرّ أخواله فربته بينهم هنالك.
وكان جعفر بن يحي وزير أرفق الناس برياضة القول، وأعرفهم بفنون الكلام. وكان إذا عقب رسالة ووقع تحت كتاب فإليه مباءة البلاغة ونهاية الإيجاز حتى لقد يتدافع الكتاب على بابه فيشترون من حجابه كل توقيع بدينار.
كل ذلك ورثه جعفر عن أمه لا عن أبيه.
كذلك كان النساء في ذلك العهد الكريم مبعث كل شيء في نفوس أبنائهن والأمر في ذلك ما قال رافع بن هُريم:
فلو كنتمِ لمُكْيسةٍ لكاست ... وَكَيْسث الأم يعرف في البنينا
أما بعد فأولئك هن الأمهات اللواتي انبلج عنهن فجر الإسلام وسمت بهن عظمته، وصدعت بقوتهن قوّته، وعنهن وحدهن ذاعت مكارمه ورسخت قوائمه؛ فإن كان مما يذل الرجل في عصرنا هذا أن يقال له تربية أمه فقد كان ذلك في عصور الإسلام الزاهية، وأيامه الخالية: مهبط الشرف الحرّ، والعز المؤثل والمجد المكين.