عمر لابنه عاصم، وليس لها ما تعتز به من نسب ونشب إلا ما جرى على لسانها من قول الصدق في نصيحتها لأمها - وهي التي نزعت به إلى خلائق جده الفاروق رضي الله عنه.
فإذا نحن انتقلنا بك من مُلك بني مروان بالمشرق إلى ملكهم بالمغرب، وجدنا العظمة الرائعة، والهمة القصية، والأمل البعيد، والبأس الشديد، والأثر الخالد، والمجد المكين، لم يجتمع شيء منها على الرجل ما اجتمع لأمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر. ذلك الذي ولي الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتَشرَق بالدماء، فما لبثت أن قرّت له وسكنت لخشيته، ثم خرج في طليعة جنده، فافتتح سبعين
حصناً في غزوة واحدة، ثم أمعن بعد ذلك في فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، حتى ريض كل أولئك له؛ ورجف لبأسه، وبعد أن كانت قرطبة إمارة يذكر الخليفة العباسي على منابرها وتُمضي باسمه أحكامها، أصبحت مقرّ خلافة يحتكم إليها عواهل أوربا وملوكها يختلف إلى معاهدها علماءُ الأمم وفلاسفتها.
أو أحدثك عن سر هذه العظمة ومهبط وحيها؟ هي المرأة وحدها، فقد نشأ عبد الرحمن يتيماً قَتل عمه أباه، فنفرت امه بتربيته وإيداع سر الكمال وروح السموّ في ذات نفسه، فكان من أمره ما علمت.
ثم إذا نحن نشرنا صفحة العهد العباسي، بل صفحة العهد الإسلامي لا نجد في تضاعيفها امرؤا دانت له قطوف العلم والحكمة، ودانت له نواصي البلاغة والفصاحة كمحمد ابن إدريس الشافعي. فهو الشهاب الثاقب الذي انتظم حواشي الأرض فملأ أقطارها علماً وتشريعاً.
ذلك أيضاً ثمرة الأم العظيمة.
فقد مات أبوه وهو جنين أو رضيع، فتولته أمه بعنايتها، وأشرقت عليه بحكمتها،