وعجيب أن معاوية لم يعرف يودع يزيد ابنه وخليفته، رأيه وحلمه وسياسته، ذلك لأن أمة امرأة أعرابية لا شأن لها، خطبها معاوية على الجمال واتخذها مقادة لقبيلتها ومرتقى لعشيرتها.
وشبيه بمعاوية أخوه زياد بن أبي سفيان. فهو مساق المثل في ذكاء القلب وفرط الدهاء. إلى وفور في العلم، وقوة في البيان. وبرغم ذلك كان ابنه عبيد الله أبعد
الناس عن خُلْقه وأنباهم عن طبعه. كان أحمق، أخرق، واهن العقيدة، مضطرب الفطنة، عييا، سفاكا، ذلك لأن أمه مَرجانة امرأة فارسية من فلول تلك الأمة المتهدمة المتحطمة، فهي ضعيفة ذليلة، لا تصلح أن تكون أماً لعزيز عظيم.
ولقد انحسر ملك بني مروان عن رجلين، ذهب أحدهما بما أوتى من حَول وطول وما انتضى من حزم وعزم، وضربت الأمثال بما نهج ثانيهما من سَنَنَ العدل، وما أفاء على الناس من ظل الخيرات، وكلاهما مهبط وحي المرأة العظيمة.
أما أولهما فعبد الملك بن مروان وأمه عائشة بنت المغيرة بن أبي العاص بن أمية وكان لها من مضاء العزم، وذكاء القلب، ونفاذ الرأي ما لم يكن مروان في شيء منه، وهي التي يعنيها ابن قيس الرُّقيات في قوله لعبد الملك.
أنت ابن عائشة التي ... فَضَلَت أرُوم نسائها
لم تلتف لِلشداتها ... ومشت على غُلَوائها
ولدت أغر مباركاً ... كالشمس وسط سمائها
وإما الثاني فأبو حفص عمر بن عبد العزيز. وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب أكمل أهل دهرها كما لا وأكرمهن خلالا وأمها تلك التي اتخذها