وهي التي يقول ابن حيان عنها إنها أجمل وأعقل وأعلم نساء عصرها وصفية وكانت من أفتن النساء بجمالها وأدراهن بفنون الشعر.
ومما قال بعض المؤرخون عن الْحَكَم بن الناصر في ذلك العهد الذي أولع فيه أهل الأندلس بالشعر وجنوا قطاف الفنون والعلوم كان النساء في عزلتهن يقبلن على الدرس وينصرفن إليه وأكثرهن قد امتاز بمضاء الذكاء وانفساح مدى العلم، وكان في قصر الخليفة بين نسائه لُبنى تلك التي جمعت إلى جمالها الساحر إحاطتها بالنحو والشعر والرياضة وما سوى ذلك من علوم وفنون. وكانت تكتب رسائل الخليفة بأسلوب يملأ النفس روعة وخط يملأ العين جمالا، فهي كاتبة قصره، ومنشئة رسائله، ولم يكن بين نساء القصر من يساميها عقلا وفطنة ورشاقة لفظ،
وسماحة قافية، وفاطمة وَمَثلُها في رجاحة العقل وسماحة القول مَثَل لبنى. وكان شعرها كفاء نثرها وفي كليهما أمعنت حتى بلغت غاية لا تنال، وكان العلماء والشعراء يطربون لشعرها وما فيه من أنق وإبداع. ولها مكتبة جمعت أجل الكتب وأنفسها.
ومنهن خديجة وهي التي جمعت إلى عذوبة المنطق وروعة الشعر، رخامة الصوت والذهاب في فنون الغناء، ومريم التي كانت تغدو على بنات سادات إشبيليه فتعلمهن القريض، وكان لها في التعليم ذكر نابه وشهرة ذائعة. وقد تخرج في مدرستها طائفة عظيمة من شهيرات النساء. وراضية ويدعونها - الكوكب الزاهي - وهي التي وهبها الناصر لابنه الحكم. وكانت آية العصر في الأدب والتاريخ. وقد تنقلت في بلاد المشرق أثر موت الحكم فكانت موطن الإجلال والإكبار من العلماء جميعاً.
أما بعد: فذاك حديث النهضة العلمية الإسلامية وتلك آثار المرأة فيها ومآثرها عليها، فهل رأيت في أمة قديمها وحديثها؟ اللهم إنها حكمة الله ملأ بها أحناء تلك الصدور، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.