الأديم، منيع الحريم، عظيم السلم، فاضل الحلم؛ واري الزناد، رفيع العماد، وإن كنت لمسوداً، وإلى الملوك لموفدا، وفي المحفل شريفاً، وعلى الأرامل عطوفاً وكانت الملوك لقولك مستمعين، ولرأيك متعبين، ولقد عشت حميداً ودوداً، ومت شهيداً فقيداً.
ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت: عباد الله؛ إن أولياء الله في بلاده شهود على عباده، وإنا لقائلون حقا. ومثنون صدقاً، وهو أهل لطيب الثناء. فعليه رحمة الله وبركاته. وما مثله في الماس إلا كما قال الشاعر في قيس بن عاصم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
سلام امرئ أودعته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سَلما
فما كان قيس هلكه واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
قال فتعجب الناس من كلامها وقال فصحاؤهم تالله ما رأينا كاليوم قط، ولا سمعنا أفصح ولا أبلغ من هذه. قال فبعث إليها مصعب بن الزبير فخطبها على نفسه فأبت عليه فما زال يتعهدها ببره حتى قتل
حدث الأصمعي قال:
دفعت يوماً في تَلَمسي بالبادية إلى واد خَلاءٍ لا أنيس به إلا بيْتٌ معتنز بفنائه لأعنز، ولقد ظمئت، فيممته، فسلمت، فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامة راخم
فقلت هل من ماء؟ فقالت: أو لبن؟ فقلت ما كنت بغيتي غلا الماء فإذا يسر الله اللبن فإني إليه فقير.