بل ربما تزوج الرجل بسبيته وأقام بها مقام العشير الكريم من عشيرته الوفية، حتى إذا أتاح لها القدر معاودة أهلها أقامت بينهم وأنفت أن تعود سيرتها الأولى من زوجها وبنيها. ومن ذلك ما حدث به أحمد بن معاوية الباهلي قال: إن رجلا من العرب أستى امرأة فولدت له سبعة بنين ثم قالت له: أزرْني أهلي ليذهب اسم السباء عنى، ففعل. فلما نزلت بقومها وتذاكروا ما في السباء من ذل وعار لزوجها: قد أبى القوم أن ينتزعوني منك. فقال: لا أُفارقك حتى تثنى علىّ بما تعلمين. فقالت: العشية إذا اجتمع القوم. فاجتمعوا وحضر الرجل وزوجه فقال:
نشدتك هل خُبَرتِني أو علمتنِي ... كريماً إذا اسودّ الكراسيع أزهرا
فقالت: نعم. فقال:
نشدتك هل خبرتني أو علمتني ... شجاعاً إذا هاب الجبان وقصرا
فقالت: نعم. فقال:
نشدتك هل خبرتني أو علمتني ... صبوراً إذا ما الشيء ولّى وأدبرا
قالت: نعم. فانصرفت نادماً حزيناً وهو يقول:
تُبكَّي على ليلى بحق بلادها ... وأنت عليها بالملا كنت أقدرا
ومثل ذلك ما فعلت سَلْمَى الكنانية زوج عروة بن الورد.
وكان عروة شاعرا بطلا كريما، وله في صفاته تلك مواقف لا يستهان بها، وكان قد أصاب سلمى في غزاة غزاها لبني كنانة، فأعتقها وتزوجها وحلت من نفسه وعشيرته محلاًّ كريماً، فأقامت عنده بضع عشرة سنة. وولدت له أولادا.