لآل مكة ولقصاد البيت الحرام نهراً جاريا يتصل بمنابع الماء ومساقط المطر من بعد الشقة ووعورة الطريق ما بلغت.
ولم يسنح بخاطر أحد منذ عهد إسماعيل صلوات الله عليه حتى عهد زبيدة رضي الله عنها مثل ذلك الخاطر الوثاب، خاطر إجراء نهر بين شعاب مكة. بل ولم يتمنه تمنياً، لأنه أبعد من حدّ التمني. أما زبيدة التي تحتكم على خراج الدولة الإسلامية، والتي لها من مالها وجواهرها ما لا تفي به الأرقام، ولا تحيط به الوهام، والتي فاض حنانها، وثارت عاطفتها، إلى حد لا يدفع ولا يرد فقد اعتزمت أن تجري ذلك النهر ولو كان سبيله دجلة والفرات.
هنالك دَعَت خازن موالها وامرأته أن يدعو العُرفاء والمهندسين والعمال من أطراف الأرض وأقاصي البلاد فعظم خازنها وما يُسْتَنفذ من المال فيه فقالت زبيدة تلك الكلمة الخالدة: اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً فلم يكن بعد ذلك
إلا أن يراض العمل على اعتسافه، فيق إلى مكة أهل الكفاية من كل مهندس ناقد وعامل عتيد، فأخذوا يصلون بين منابع الماء في شعفات الجبال، ويظاهرون ذلك بما يحتفرون من الآبار، وما يعقمون من المسايل، ثم يغلغلون ذلك كله بين أعطاف الصخور تارة وفي أعماق الأرض طوراً حتى ينتهي ذلك كله إلى النهر الذي احتفروه.
وأهم ما اعتمدوا عليه عين حنين في جبال طاد إلى الشمال من عرفة وعلى مدى خمسة وثلاثين كيلو مترا من مكة أعزها الله، وتجري في واد حنين ثم ظاهروا ذلك بمجرى آخر من وادي النعمان من مسايل جبال كسرى إلى الشرق والجنوب من عرفات وعلى مدى عشرة كيلو مترات منها وعززوا الْمَجْرَيبين بعد ذلك بسبع أقنية تتبعوا فيها مساقط السيل فسار ذلك كله في ممر عظيم بين الصخور حتى