للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالظمأ ثم ساقوا نساءهم سواهم الوجوه حواسر الرءوس تحملهن الإبل المعراة من بطحاء كربلاء إلى مقرّ الملك الأموي بدمشق.

والمسلمون بمسمع وبمرصد ... لا جازع منهم ولا متصدع

على هذه السنن من العقوق للإسلام سار الأمويون في غزو مدينة رسول الله وإباحتها وهدم الكعبة وإحراقها.

وكان أكبر الظن بالقوم وتلك حالهم في انتهاك الحرمات أن يستمعوا بكل ما حوت البلاد المفتوحة من لذة ونعيم، لولا أن معاوية بن أبي سفيان شيخ بني أمية وفحل أجمعتهم نفخ في العرب روح العصبية العربية وحكم الأمم على أنهم السادة وغيرهم المسودون وأنهم الآمرون وغيرهم المأمورون فحجزهم بذلك عن مخالطة من يلونهم من الأمم إلا مخالطة الحذر المترفع الذي يرى الاتصال الوثيق بمواليه منقصة وعاراً.

ذلك إلى أن العرب قضوا الشطر الأكبر من ذلك العهد وهم فرق متناحرة، بعضهم لبعض عدو، ليس منهم إلا من كفر خصمه واستحل ذمه؛ فهناك أهل الشام ومن حولهم من الأعراب يشايعون بني أمية، وهناك أهل العراق يبثون الدعوة لبني هاشم، وهناك أهل الحجاز يلوذون بابن الزبير، وهناك الخوارج الذين خرجوا على الخلافة الموروثة والملك المغصوب، فأي أولئك يتسع له الوقت ليمرح في مجال اللهو ويأخذ بأسباب النعيم.

والحق أن شيئاً من وسائل اللهو وجُلب إلى الأمصار الثلاث دمشق والبصرة والمدينة وتذوقه الخواص من سادات العرب حين اطمأن وانقطعت أواصر الفتن، ومن هذه الملهيات فن الغناء، جاء به جماعة من موالي الفرس وعلموه القيان الفارسيات فأسمعن العرب أشعارهم موقعة على النغم الفارسي، على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>