إن القَيْنَةَ لا تكاد تناصح في ودها لأنا مكَتَسَبَة ومجبولة على نصب الحبالة والشرك للمتربطين ليقعُوا في أنشوطتها، فإذا شاهدها المشاهد رمتهُ باللحظ وداعبته بالنسم وغازلته في أشعار الغناء، ولهجت باقتراحاته، ونشطت للشرب، وأظهرت الشوق إلى طول مكثه، والصبابة لسرعة عودتهِ، والحزن لفراقهِ، فإذا أحسَّتْ بأن سِحْرها قد تغلب فيه، وأنهُ قد تغلغل في الشرك، تَزَيَّدَت فيما كانت قد شرعت فيه، وأوهمته أن الذي بها أكثر مما به منها، ثم كاتبته تشكو إليه هواها، وتقسم له أنها مدت الدواة بدمعها، وبلت السحاء بريقها، وأنه سبْحها وشجوها في فكرتها، وضميرها في ليلها ونهارها، وأنها لا تريد سواه، ولا تُؤثرُ أحداً على
هواه، ولا تنوي انحرافاً عنه ولا تريده لماله بل لنفسه، ثم جعلت الكتاب في سلاسل طومار وختمته بزعفران، وشدته بقطعة زير، وأظهرت سره عند مواليها ليكون المغرور أوثق بها، وألحتْ في اقتضاب جوانبه، فإن أٌجيب عنه ادّعت أنها صيرت الجواب سلوتها، وأقامت الكتاب مقام رؤيته، وأنشدت: