فزحفت مع السائب حتى فارقنا النُّمْرقتين، وربت العجفاء في عيني كما يربو السويق بماء مزنة. ثم غنت:
يا طول ليلي أعالج السقما ... إذ حل كل الأحبة الحرما
ما كنت أخشى فراقكم أبداً ... فاليوم أمسي فراقكم عُزِما
فألقيت طيلساني، وأخذت شادكونة وصحت كما يصاح على اللوبيا بالمدينة، وقام أبو السائب فتناول رقعة في البيت فيها قوارير ودهن، فوضعها على رأسه، وصاح صاحب البيت - وكان أحنف - قوانيني!! قواريري قواريري وسال الدهن على رأس أبي السائب وصدره.
ومن هذا ونحوه تعلم أن هؤلاء الجواري لم يجتلبن لما اجتلب له غيرهن، وقد حُرّر هؤلاء وتزوجن وانبثثن في أسر الأندلس يُعلمن نسوتها الأدب، ويُرَوّينهن الشعر ويُلقَيَّننّ الغناء في حشمة ووقار.
وقد ظهر في هؤلاء الوافدين من تجاوزت الأدب والغناء إلى الفقه والحديث كعابدة المدنية، فقد روت عن مالك بن أنس وغيره من أئمة المدينة، قدم بها الأندلس محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وكان كثير الإعجاب بعلمها وفهمها، وتزوجها بشر بن حبيب الأندلسي فمنه سائرُ ولده.