يا معشر النمر، نزعت إليكم غريباً حزيناً، فانظروا إلى امرأة أتزوجها، قد أَذَلَّها الفقر وأَدَّبها الغنى، لها حَسَب وجَمَال. فزوجوه على هيئة ما طلب فكانت آثر الناس عنده وأذهبهم لبلواه.
ومنهم من كان يخطب في المرأة سعة الحيلة، ومضاءَ الذكاءَ. وما أراد بذلك إلا أن يكون ذكاؤها تراثاً لبنيها كما زعموا أن امرأَ القيس الكندي آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين. فجعل يخطب النساءَ فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر. فبينا هو يسير في جوف الليل إذا برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته، فقال: يا جارية ما ثمانية وأربعة واثنتان. فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة وأما أربعة فأخلاف الناقة، وأما اثنتان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها، فارتضى خِطبته، وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك، وعلى أن يسوق إليها مائة من الإبل. فلما بلغ الموعد استاق إليها الإبل ومولىً له معه، حتى إذا كانا ببعض الطريق وامرؤ القيس على شفير بئر يشرب رمى به مولاه، وذهب بالإبل حتى أتى الفتاة. فقالت: والله ما أدرى أزوجي هو أم لا؟ ولكن انحروا له جَزُوراً وأطعموه من كَرشها وذنبها. ففعلوا. فقالت: اسقوه لبنا حاذراً. فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له بين الفَرْث والدم ففرشوا له فنام. فلما أصبح قالت: عليم العبدَ فشدوا أيديكم به. ففعلوا وما عرفت ذلك منه إلا لرضاه بالدنية وقراره على الهوان.