وعلى شؤون ملكه، وعلمت ما كان من صرف وجوه الرعية إلى دار الخيزران حتى فشت فيها القالة وأرجفت بها الألسنة وساء عنها الحديث.
ولم يكن المهدي في غيرة أبيه بل كانت الغيرة أضعف نواحيه. سمع أبا العتاهية ينشد مدحه فيمن أنشده من الشعراء فكان أول قصيدته غزلا واضحاً وتشبيباً صريحاً بفتاة من جواري قصر الخلافة، وذلك ما يقول:
ألا ما لسيدتي ما لها ... أدَلاًّ فأحملَ إدلالها
وإلا ففيم تجنت وما ... جنيت سقي الله أطلالها
ألا إن جارية للإما ... م قد أُسكن الحسنُ سربالها
مشت بين حور قصار الْخُطَا ... تجاذب في المشيِ أكفالها
وقد أتعب الله نفسي بها ... وأتعب في اللوم عذالها
فلم يرى الغضب على وجهه! بل لقد اختص هذا الشاعر دون غيره من سائر الشعراء بالجزيل من جائرته، وأشد من ذلك أنه حاول أن يستوهب ابنته عُلَيَّة تلك الجارية ليمنحها الشاعر وكاد يتم ذلك لولا أن توسلت الفتاة بألا يجعلها منحة لهذا الشاعر الدميم المنظر الداني من الموت، وشفعت فيها ابنته فبدله الخليفة منها مالا كثيراً.
ولعلك تقول هي جارية تشري وتمنح فليس من شأن المهدي أن يستشعر الحفيظة
لها والغيرة عليها، قلت فهلا حق له الغضب من نسبتها إليه وقرن اسمها باسمه! وأي الخلفاء كان يستمع قول أبي العتاهية:
ألا إن ظبياً للخليفة صادني ... ثم يتركه وفيه عين تطرف
ودعنا من الجارية: هذه ابنته البانوقة أعز الناس عليه وأحبهم إليه وأوحد أهل دهرها أنقاً وجمالا، فهل يجول في خيال أو يخطر ببال أن يلبسها أبوها ثياب