في أشبيليه إلى سجن ابن تاشفين في أغمات - من أعمال فاس - سُبيت ابنته بثينة فيمن سبى من الجواري وبيعت من أحد تجار أشبيلية على أنها جارية، فوهبها التاجر ابنه، فلما رأت الجِد من الأمر كشفت القناع عن نسبها الملكي، وقالت لولد التاجر: لا أحل لك إلا بعقد يجيزه أبي، وأشارت عليهم بتوجيه كتاب من قبلها إلى أبيها وانتظار جوابه فكان الذي كتبته هذه الأبيات:
اسمع كلامي واستمع لمقالتي ... فهي السلوك بدت من الأجياد
لا تنكروا أني سبيت وأنني ... بنت لملِك من بني عباد
مَلِك عظيم قد تولى عصره ... وكذا الزمان يؤُول للإفساد
لما أراد الله فرقة شملنا ... وأذاقنا طعم الأسى من زاد
قام النفاق على أبي في ملكه ... فدنا الفراق ولم يكن بمراد
فخرجت هاربة فحازنيَ امرؤ ... لم يأت في إعجاله بسداد
إذ باعني بيع العبيد فضمني ... من صانني إلا من الأنكاد
وأرادني لنكاح نجل طاهر ... حسن الخلائق من بني الأنجاد
ومضى إليك يسوم رأيك في الرضا ... ولأنت تنظر في طريق رشاد
فعساك يا أبتي تعرّفني به ... إن كان ممن يُرتجي لودادي
وعسى رميكية الملوك بفضلها ... تدعو لنا باليمن والإسعاد
فلما بلغته مقالة ابنته وهو ثاو في غياهب سجنه، مطوّق في قيوده وأغلاله أدركه شيء من حسن العزاء لنجاتها، وأشهد على نفسه بعقد زواجها، وكتب إليها يهنئها ويتسلى بحسن عاقبة الزمان فيها، وكتب آخر رسالته:
بُنيتي كوني به بَرَّةً ... فقد قضى الدهر بإسعافه
وشبيه بهذا الأسلوب من الشعر النسوي الأندلسي شكوى الشاعرة الشَلبيَّة