فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه ووظف لها عطاء كريماً وكتب إلى عامله على البيره - من أعمال الأندلس - فجهزها بجهاز حسن.
وكان الحكم قد كتب إلى والي البيره بتحرير أملاكها وردها إليها - ولا نعلم كيف نزعت منها - واتفق أن عوجل الحكم بالموت لم يقض الوالي لها بشيء فلما طال مطاله لها ذهبت إلى ابنه الخليفة عبد الرحمن فلما مثلت بين يديه انتسبت إليه، فعرفها وعرف أباها ثم أنشدت:
إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي ... على شحط تصلي بنار الهواجر
ليجبر صدعي إنه خير جابر ... ويمنعني من ذي الظلامة جابر
فإني وأبنائي كفه ... كذي الريش أضحى في مخالب كاسر
جدير لمثلى أن يقال مَرُوعة ... لموت أبي العاصي الذي كان ناصري
سقاه الحيا، لو كان حيا لما اعتدى ... علىَّ زمان باطش قادر
أيمحو الذي خطته يمناه جابر ... لقد سام بالإملاك إحدى الكبائر
ثم بسطت أمرها وأرته أبيه فقبله وقال: لقد تعدى لبيد طوره حتى رام نقض رأى الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده، ونحفظ بعد موته عهده، انصرافي يا حسانة فقد عزلته لك ووقع بمثل توقيع والده، وأجازها بجائزة كريمة فشكرت له صنيعه بقصيدة جاء فيها:
ابن الهشامين خير الناس مأثرة ... وخير منتجع يوما لرُوّاد
إن هز يوم الوغى أَثناء صعدته ... روَّى أنابيبها من صرف فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسباً ... مقابلا بين آباء وأجداد
جوَّدت طبعي ولم ترض الظلامة لي ... نهاك فضل ثناء رائح غاد
فإن أقمتُ ففي نعماك عاطفة ... وإن رحلت فقد زودتني زادي