فذاك سبيل أهل الخيال، الذين يرون من كل شيءٍ غايته ويأخذون من كل أصفاه، فإن في تنزيه العرب أنفسهم عن الدنيا دليلا على وجودها. وكما افترضنا بين غمار العرب الجبان المستطار حق لنا أن نفترض الفاحش المريب. على أن هؤلاء أوزاع صعاليك العرب وشرادهم كان مغداهم إلى ماءٍ قَلَّ بينهن من تنتسب إلى العرب، وكان يتوارين عن العيون بمنجاة عن المدائن والقرى ومضارب خيام البادية. وكان الرجل إذا غدا إليهن اَّدرع الظلام وأرخى إزاره على أثر خطاه فوق الرمال حتى لا يتعرف الناس أثره. وكان العرب يدعون المرأة المهنية بالمظْلمة من أجل ذلك. ومن جوامع كلهم في المدح: فلانٌ لآيرخى لمظْلِمةٍ إزاره. قالت العوراء بنت سُبيع:
أبكى لعبد الله إذ ... حُشَّت قُبيل الصبح نارُه
طَيانَ طاوِي الكَشْح لا ... يُرْخَي لُمظْلِمةٍ إزارُه
أما بغاة الشرف وأبناء سادات العرب فهم بنجوة عن كل ذلك. وقد أطرد امرأ
القيس أبوه، ووكل به من يقتله، لأنه اْشتَم روح الفجور من شعره.
وقالوا: ليس سيداً من غلبته شهوته.
وكان من أكبر المآثم عند العرب أن يلتقي الرجل بالفتاة فيبدأها بالكلام أو يُلقي إليها السلام، وربما هاج ذلك شرّاً عقاماً. وقد يكون من ذوي قرباها والراغبين في خطبتها فتحول تحيته دون ما يبتغي. وفي ذلك يقول حُميد بن ثور:
ومالي من ذنب إليهم علته ... سوى أنني قد قلت يا سْرحةُ اسلمي