به وملكه الفزع منه فلم يجد - وهو صفي الله وصفوتهُ من خلقه - من يُسرى روعه ويَشُدُّ قلبه إلا زوجه خديجة إذ تقول له: كلا والله لا يخزيك أبداً إنك تحمل الكَل، وتُكْسِبُ المعدوم. وتعين على نوائب الدهر.
ذلك قول المرأة التي أزرت نبي الله، وَوَاسَتْهُ بمالها وقلبها، وفرجَت عنه مواطن محدقة مُطبقة واحتملت دونه خطوباً جمة فوادحَ، وكان قولها أنفذ في نشر دين الله من ألف سيف تنْتَضى في سبيل الله.
ذلك وحي من الله وإلهامه على لسان المرأة فنزل برداً على قلب الرجل. أفبعد هذا
القول من ذلك القلب غاية لمستمع أو سبيل لمستزيد؟
ألا إن خشية الله ودينه - وهما سبيل الكمال - لا يجدان مجالاً أهدى، ولا موطناً أخصب من قلب المرأة، لأن حاجة الدين إلى قلب صاف، وعواطف غالية أشد من حاجته إلى قلب ذكيّ، ورأى أَلَمعِي.
إلى كل ذلك تنتقل المرأة إلى طور آخر تبلغه، فتبلغ به غاية ما أُعدّت له من كمال النفس وشرف العاطفة. ذلك طور الأمومة. فهناك تنزل المرأة عن حقها من الوجود لمن فصل عن لحمها ودمها تسهر لينام، وتظمئ ليروى، وتحتمل الألم الممض - راضية مغتبطة - لتذيقه طعم الدعة، وتنشيه نسيم النعيم.
تلك هي التضحية بالنفس بلغت بها الأمومة غايتها.
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
إن من آيات التضحية في المرأة ما يقف دونه الرجل عانَىِ الوجوه نادِىَ الجبين ومن أمثال ذلك ما أنا سائقه وقاُّصه عليك: -