لذلك لم يكن بدعاً أن تأبى ابنة أوس بن حارثة على نفسها أن تكون زوجاً للحارث بن عوف لأنها لا عمل لها، فهي لا كفاية لها، وهي التي ستحتمل من دار سيد العرب إلى دار سيد العرب!.
تلك أثارة من البيان بما كان للمرأة يومذاك من داعية إلى العمل.
فأما ذلك العمل فعلى نوعين:
نوع شامل ينضوي تحته النساء جميعاً وفيهن المدللة، والسرية السنية، قضاء
للواجب، ودافعاً للملل، وتفادياً من سوء الأحدوثة. وآخر يتخذنه مجلبَةً للرزق، ومَعْدَاة على الحاجة، وعونا على الزمن، ودفعاً لسؤال اللئيم.
فمن الأول:
أ - أُسْوُ الجراح، وشد العظام، وحياطة الدم دون النزيف. ونفاذهن في ذلك شبيه بنفاذ الرجال في أساليب القتال، ومقارعة الأبطال، لحاجتهن إليه إذا اتقدت الحرب، واشتجرت السيوف، ونفذت الرماح إلى أعطاف الصدور. فهنالك يغتمرن الموقعة حاملات أداوى الماء، وإلى جانب كل منهن ما تحتاج إليه الجراح من لفائف وجبائر وما سوى ذلك.
وهن يسمَين لذلك بالأواسي. وفيهن يقول قيس بن الخطيم وقد طعن عدوّة طعنة منفسحة الجوانب جمة الشعاب:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفَذٌ لولا الشعاع أضاءها
يهون على أن تَرد جراحها ... عيون الأواسي إذ حمدت بلاءها
فجعل أقصى طعنته القاتلة أن ترد جراحها عيون الأواسي فلا يجدن إلى شفائها سبيلا.