إذا قيل لها يتيم. وذلك أنَّا إنما نرجو من أبي الصبى، فكنا نقول يتيم ما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعاً غيري. فلما أجمعنا
الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي: ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبن إلى ذلك الرضيع فلآخذته. قال: لا عليك، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة، فذهبت إليه فأخذته.
وفي حديث أخر أَن حليمة قالت: استقبلني عبد المطلب فقال: من أنت؟ فقلت: أنا امرأة من بني سعد، قال: ما اسمك؟ قلت: حليمة، فتبسم عبد المطلب وقال: بَخٍ بخٍ سعد وحلم، خصلتان فيهما خير الدهر، وعزَّ الأبد، يا حليمة إن عندي غلاما يتيماً، وقد عرضته على نساء بني سعد فأبين أن يقبلنه، وقلن ما عند اليتيم من الخير؟ إنما نلتمس الكرامة من الآباء، فهل لك أن ترضعيه، فعسى أن تسعدي به؟ فقلت: ألا أنظرني حتى أشاور صاحبي؟ فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته، فكأن الله قذف في قلبه فرحاً وسروراً فقال لي يا حليمة خذيه. فرجعت إلى عبد المطلب فوجدته قاعداً ينتظراني فقلت: هلم الصبيَّ. فاستهَلَّ وجهه فرحاً. فأخذني وأدخلني إلى بيت آمنة فقالت لي. أهلاً وسهلا وأدخلني في البيت الذي فيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُدْرَج في صوف أبيضَ من اللبن، وتحته حريرة خضراء، راقد على قفاه يغط، تفوح منه رائحة المسك، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله، فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكاً وفتح عينيه إلىَّ فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماءِ وأنا أنظر إليه. فقبَّلته بين عينيه وأخذته.
والعرب يأبون أن تؤجر الحسيبات منهن على الرضاع. ويقولون في ذلك: تجوعُ الحرة ولا تأكل بثدييها.