ما يلقي إليك. فقالت: حياك الله هِيِه، هل من جائية بخير؟ قلت: هذه بُنَيَّتك؟ قالت: كذا كان أبوها يقول! قلت أتزوجينها؟ قالت: لعلة ما رغبت فبها! فوالله ما لها جمال، ولا لها مال. قلت: لحلاوة لسانها، وحسن عقلها. قالت: أُّينا أمْلك هي أم أنا؟ قلت: هي قالت: إياها فخاطب! قلت: تستحي أن تجيب غلى مثل هذا. قالت: ما هذا عندها، أنا أخبرُ بها. فقلت يا جارية، أما تسمعين ما تقول أُمك. قالت أسمع. قلت: ما عندك؟ قلت بحسبك أن قلت تستحي في مثل هذا! فإذا كنتُ من شيء فلم أفعله؟!. . . قالت ذلك ثم
اعتزمت في إبائها وانصرفت.
وشبيه هذا الحديث وما ضمَّ من صراحة في الرأْي، ومجانبة للكلفة، وحسن نسق في الكلام، بما أسلفنا من أحاديث ذوات الشرف والسنا من النساء. وفي ذلك وأمثاله ما يدلك على أن الدم العربي يتدفق إلى تلك القلوب من معين واحد، ويجري غلى غاية واحدة.
وبعد فإن لأولئك النساء على ما بينهن من تباين في العمل، وتناءٍ في الحالات عملاً عامَّا، يجتمعن إليه، ويشتركن فيه. ذلك هو اقتياد مشاعر الرجال وتصريف أزمَّتها، بما أوتين من نفاذ في الرأْي، وسعة في الحيلة. وقوة في الأسلوب لا لرجالهن وأبنائهن فَحسب. بل للقول جميعاً: إن عصفت برؤوسهم عاصفة الشر واحتكمت بنفوسهم الحمية: حمية الجاهلية، سكَّن الثائر وأطفأْن النائرة. وإن بردت دماؤهم، وخَمَدت عزائمهم، وقَرّوا على الذل، وأغضْوا على القذى، هْجِن أشجانهم، وابتعثن أضغانهم، ورمينهم بكلمات دونها حَر الطعان، ووخز السنان. فهي ركن الأمة، وعماد البلاد، إن رجفت بها الأرض ومادت بأطرافها الحادثات.
ولقد أخذ الربيع بن زياد العامري درع قيس بن زهير العبسي وغصبه إيّاها وأبى