أن يعيدها وكلاهما سيد قومه. وبرغم ما بينهم من المصاهرة استحكمت حلقات الخلاف بينهما، وقام كل يستصرخ قومه. وكاد السيف يكون حكماً بين الحَّيين لولا كلمات من امرأتين حسمت الجرح، ورأيت الصدع، وردت إلى ذي الحق حقه.
فأما أولاهما ففاطمة أم الربيع. عرض لها قيس في طريقها وهي على راحلتها في مسير لها. فأراد أن يتخذها رهينة بدرعة. فقالت له: أين عزب عنك عقلك يا قيس؟ أترى بنى زياد مصالحيك وقد ذهبت بأُمهم يميناً وشمالا وقال الناس ما قالوا وشاؤا؟ وإنَّحَسْبك من شّرٍ سماعهُ. فأخجل ذلك القول قيساً وتركها وهو يفكر في أمره.
وأما الثانية فالجُمانة بنت قيس، قالت لأبيها لما شَرق ما بينه وبين الربيع؛ دعني أناظر جدي، فإن صلح الأمر بينكما وإلا كنت من وراء رأيك. فأذن لها فأتت الربيع فقالت: إذا كان قيس أبى فإنك يا ربيع جدي، وما يجب له من حق الأبوة علَّى كالذي يجب من حق النبوة لي. والرأي الصريح تبعثه العناية، وتجلى عن محضه النصيحة، إنك قد ظلمت قيساً بأخذ درعه، وأجد مكافأته إياك سوء عزمه، والمعارض منتصر، والبادي أظلم، وليس قيس ممن يخوَّف بالوعيد، ولا يردعه التهديد. فلا تركنن إلى منابذته، فالحزم في متاركته، والحرب متلفة للعباد، ذهّابه بالطارف والتلاد، والسلم أرخى للبال، وأبقى لأنفس الرجال وبحقّ أقول لقد صدعت بحكم، وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم. ثم أنشأت تقول:
أبي لا يرى أن يترك الدهَر درعهَ ... وجدي يرى أن يأْخذ الدرع من أبي