كما كانت حلب على عهد سيف الدولة بن حمدان كعبة أدب. ويقال: إنه كان في طرابلس في ذاك القرن عدة مدارس وخزائن كتب لم يبلغنا خبرها. وعلى هذا فالمدارس في الإسلام نشأت في أواخر القرن الرابع وعرفت جيداً في الخامس والسادس.
ونقصد بالمدارس تلك الدور المنظمة التي يأوي إليها طلاب العلم، وتدر عليهم المعالم والأرزاق، ويتولى تدريسهم وتثقيفهم فئة بحسب شروط الواقف ممن يحسنون القيام بالغرض الذي ندبوا للدعوة إليه، ويجازون بما تعلموا من ضروب المعارف الإلهية والبشرية.
ولقد كان من نور الدين محمود بن زنكي لما استولى على الشام همة عظيمة في إنشاء المدارس لأهل السنة والجماعة كما أنشأ القائد جوهر الأزهر في القاهرة، والقاضي ابن عمار دار الحكمة في طرابلس لبث التشيع، وأخذ نور الدين يستدعي فحول العلماء من الأقطار ويبني لهم المدارس ويدر عليهم المشاهرات حتى قالوا: إن الشام أصبح على عهده مقر العلماء والفقهاء والصوفية. بنى سنة ٥٤٥ في حلب المدرسة العصرونية واستدعى لها من سنجار شرف الدين بن أبي عصرون من أعيان فقهاء عصره وبنى له مدرسة بمنبج وأخرى بحماة وثالثة في حمص ورابعة ببعلبك وخامسة بدمشق، وفوض إليه أن يولي التدريس فيها من يشاء. وبنى لقطب الدين النيسابوري المدرسة العادلية بدمشق ولم يتمها. وأول مدرسة بنيت في حلب أنشأها بدر الدولة أبو الربيع سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب سنة عشر وخمسمائة وسميت المدرسة الزجاجية. وأول ما عرف من المدارس في القدس ما بناه صلاح الدين يوسف ابن أيوب ونُسب إلى جماعته.
وقد ذكر الرحالة ابن جبير الذي زار دمشق في سنة ثمانين وخمسمائة أنه كان فيها نحو عشرين مدرسة بالإنفاق على من يدخل فيها للتعليم والاستفادة. وقال: إن هذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام والمدارس كذلك وأن الرباطات قصور مزخرفة. وقال في كلامه على مشاهد دمشق: ولكل مشهد من هذه المشاهد أوقاف معينة من بساتين وأرض بيضاء ورباع حتى: إن البلدة تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيها وكل مسجد يستحدث