السلطان أوقافاً تقوم بها وبساكنيها والملتزمين لها، وهذه أيضاً من المفاخر المخلدة. ومن النساء الخواتين ذوات الأقدار من تأمر ببناء مسجد أو رباط أو مدرسة وتنفق فيها الأموال الواسعة وتعين لها من مالها الأوقاف، ومن الأمراء من يفعل مثل ذلك اه.
ومعظم المدن مدارس مدينة دمشق، كثرت في الدولتين النورية والصلاحية وقام بإنشاء بعضها العتقاء والخصيان والإماء والبنات، ومنها ما بني بالمال الحلال من أموال الغنائم، ومنها ما بناه بعض أهل الخير من بنات الملوك والملكات، ومن القواد والسادة، ومنها ما أنشأه أهل اليسار من التجار وغيرهم وأكثر من بنوا المدارس في دمشق هم غرباء عنها، ولولا بضع مدارس أنشئت في القرن الثاني عشر في حلب ودمشق لقلنا: إن تاريخ المدارس فيهما ختم بانقراض ملوك الطوائف ودخول الدولة العثمانية الديار الشامية. ومن رأى كثرة المدارس في القرن السادس والسابع والثامن والتاسع وقلة ما شيد منها في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، يستنتج معنا أن الأمة إذ ذاك كانت على جانب من التدين والغنى وحب الخير أكثر من القرون التالية، وأن بعض من جمعوا ثروات كانوا يحبون أن يتصدقوا من مالهم بشيء يعتقدون أنه قربى لهم يوم الجزاء، وقد فسد الناس في القرون الأخيرة وتوفروا على التهام تلك المدارس وأوقافها. وهي على الأكثر تقسم إلى أقسام، فمنها مدارس للشافعية يقرأ فيها فقه الإمام أحمد بن إدريس الشافعي، وأخرى للحنفية يتلى فيها الإمام الأعظم أبي حنيفة، وغيرها للحنابلة لفقه الإمام أحمد بن حنبل، وبعضها للمالكية أي فقه الأمام مالك بن أنس، ومنها مدارس أو دور للقرآن يتلقون فيها القراءات على الأصول وما يتعلق بذلك، ومنها دور للحديث يأخذون فيها فنون الحديث ويروونه. وكان في دمشق خاصة مدارس لتعليم الطب والصيدلة والكحالة ومدرسة للهندسة يتخرج فيها مهندسون
وبناءون، ولم يتصل بنا أنه أنشئ في عواصم ذاك العهد: قصبة الوسط دمشق، وقصبة الشمال حلب، وقصبة الجنوب القدس، مدارس لتعليم الفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية، ولعل بعض العلوم وخصوصاً الفلك والجغرافيا والتاريخ كانت تدرس في تلك المدارس كما كانت تدرس في الجوامع في بعض الأدوار،