يحبون إليهم الاتكال وضعة النفوس، وكأنهم يقولون: إن سبيلهم لا غيرها في سبيل الفلاح والتمجد، وأن الفضائل لا شأن لها أمام المغانم. وأن العلم لا ينفع بغير تدليس، والطريق المسلوك عندهم طريق المداجاة والمحاباة، وإتقان المؤامرات والسعايات.
ومنهم أناس ظنوا وبالسوء ما ظنوا، أن السعادة مناط القحة، والسعادة هي المال، والمال محلل أخذه من كل وجه، فتراهم يرتكبون كل شأئن من العمل ليجمعوا مالاً ويعددوه ويستمتعوا بمتع الحياة، فهم حراص على كل ما يوصلهم إلى غايتهم، سلاط في التسور على مقامات أهل الفضل، يصمونهم بكل كبيرة وينبزونهم بالخفة والرعونة. جوزوا لأنفسهم السرقة، لأنهم لا مأرب لهم في غير الإثراء، وجمع المال جماع المزايا في نظرهم. احتقروا الشرائع عليهم بتبديل مذهبهم والتقرب إلى أهل كل دين وطريقة بدينهم وطريقتهم. ولو أنصفوا لعدوا لصوصاً عارفين باللصوصية، واللص يسرق خفية من طريق واحدة قد يكون فيها مكرهاً ليطعم نفسه وعياله، وهذا يسرق جهرة من كل طريق ويزيد على لؤم طباعة
تبجحاً بالمبادئ والشرف والأمانة، ومن الغريب أن يرى حتى من الأذكياء من يجلونه أو يغالطون أنفسهم في انحطاط أخلاقه وهم يعرفونها، ورحم الله شاعر مصر إسماعيل صبري حيث قال:
غاض ماء الحياة من كل وجه ... فغدا كالح الجوانب قفرا
وتفشى العقوق في الناس حتى ... كاد رد السلام يحسب برا
أوجه مثلما نثرت على الأج ... داث ورداً إن هن أبدين بشرا
وشفاه يقلن أهلاً ولوأد ... ين في الحشا لما قلن خيرا
ومنهم أناس ورثوا عن آبائهم استحلال آكل السحت والعبث بحقوق العباد. فلما تلقفوا القشور اللازمة لهم في المدارس التي سموها بالعليا ومرنوا على النفاق والباطل ومردوا على آداب الأديان وخرجوا عن أوضاع المجتمعات، جاءوا سراقاً يسكنون القصور، وعاشوا طول حياتهم في ذل النفوس، يجمعون بين المنازع المختلفة في وقت واحد علماً بأن إحدها لابد أن تكتب له الغلبة، فإذا نجح كان لهم حظ من نجاح أهله، وإذا أثمر الآخر لم تفهم خيراته، جعلوا