تسخيرها في خدمة أحزابهم، فاضطررت إلى إغلاقها في صيف سنة ١٩٢٨ بعد أن خدمت البلاد عشرين سنة.
كان مذهب المقتبس السياسي معاونة الحكومة بالمعقول، وانتقادها عند الاقتضاء. وتحبيذها إذا أتت ما تحبذ عليه. ينزع أبداً إلى إنارة الأفكار، وبث الملكات الصحيحة وتقوية روح القومية العربية، وسياسته وطنية ليس فيها شيء من روح الكراهة للأجانب، ويرمي إلى فتح صدر الأمة لمعظم ما في المدينة الغربية من أسباب الرقي. ولا يتحزب المقتبس لحزب إلا إذا تجلى له غناؤه وبلاؤه في خدمة الأمة. فقد دخلت في جمعية الاتحاد والترقي قبيل الانقلاب العثماني بنحو اثنتي عشرة سنة، وخدمت ما استطعت وساعدت البيئة، ولم أجدد في الانقلاب للاتحاديين عهداً مع كثرة إلحاحهم علي. إذا رأيت وتناقضاً في الخطة، لأن مرامي الاتحاديين تجلت بأنها تقصد إلى تتريك العناصر، ومن أول مقاصدنا الدعوة إلى
القومية العربية، وإنهاض العرب من كبوتهم.
ولما عبث الاتحاديون بالمقصد الذي رسموه لأنفسهم يوم نشأتهم الجديدة، تألفنا في الشام والآستانة كتلة من العرب والترك، وألفنا حزب الحرية والائتلاف اشتغلنا به مدة، ثم رأينا من المصلحة حله فحللناه. وأقترح عليّ زمن الحومة العربية غير مرة الدخول في الأحزاب فأبيد. ولكن لما تفاقم الشر، وأصبحت دمشق عاصمة في الصورة، والمدبرون لها أغمارنا غرباء في الأكثر، صحت عزيمتنا مع جماعة من أهل الطبقة العالية مسلمين ومسيحيين وألفنا الحزب الوطني معدلاً لأمزجة الأحزاب الأخرى. فكان حاجزناً دون انبعاث ما يندر من العوم.
وفي شباط ١٩٢٤ عهد إلي تدريس الآداب العربية في معهد الحقوق بدمشق، فرأيت تفاوتاً في عربية الطلبة، وكان منهم المقتدر الذي يصلح للكتابة والخطابة، ومنهم الضعاف في مبادئ النحو والصرف، لأن مدرستي الحقوق والطب كانتا تحاولان تكثير سواد الطلبة وتقبل منهم حتى المقصرين في الفروع المهمة، ولا سيما اللغة العربية التي يعدونها ثانوية! فاضطرت إلى إلقاء بعض دروس نحوية مختصرة على التلاميذ ريثما يستعدون لتلقي