أمم كثيرة في بلاد الغرب، فاستفدت من تنقلي بعض ما عندهم من أسفارنا وآثارنا، وقابلت عن أمم بين عمراننا وعمرانهم، وجمودنا اليوم وحركتهم.
رحلت إلى أوروبا ثلاث رحلات، أبحث في دور كتبها عن المخطوطات التي يرجى أن يكون أصحابها قد تعرضوا لحوادث هذا القطر، وزرت أصقاع الشام
لأقابل بين حاضره وغابره، ولما نسجت بآخرة ما جمعت، قدمت له مقدمة في بيان ما تشترك فيه بلاد الشام عامة من المظاهر والأوضاع، وسميته خطط الشام وأعني بالشام الأصقاع التي تتناول ما اصطلح العرب على تسميته بهذا الاسم، وهو القطر الممتد من سقي النيل إلى سقي الفرات، ومن سفوح طوروس إلى أقصى البادية، أي سورية وفلسطين في عرف المتأخرين. ويراد بالخطط كل ما يتناول العمران، والبحث في تخطيط بلد بحث في تاريخه وحضارته.
أول من صنف في الخطط واستقصى فيها على ما علمنا الحسن بن زولاق المصري المتوفى سنة ٣٨٧ وقال المقريزي المتوفى في سنة ٨٤٣ إن أول من صنف فيها أبو عمر بن يوسف الكندي، ثم القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ٤٥٤ والذي انتهى إلينا كتاب خطط مصر للمقريزي المنوه به، وهو أجمل مثال في باب الإجادة في التأليف. ولم نعلم أن أحدا من المتقدمين كتب على الشام وخططه، وكتب بعض المتأخرين في موضوع خاص وبلد معين. وما خطط الشام في الحقيقة إلا زبدة الوقائع والكوائن، وأخبار الصعود والتدلي، والمظاهر الغربية التي ظهرت بها هذه الديار، في غابر الأعصار، مقتبسا ذلك مما أبقته