للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر والشام في القرن الثالث.

فبمثل هذه الجيوش استقام أمر الفاطميين لأول عهدهم في مصر والشام، فحكموا إلى الفرات ومكة والمدينة والقدس والخليل وصارت مصر والمغرب مملكة واحدة، والخلفاء من بني العباس يحكمون من الفرات إلى بغداد وأعمالها إلى سائر المشرق، ويخطب لكل خليفة منهما في الجهات التي تحت حكمه باسمه فقط، ولما ضعف أمرهم أصبح يحكم دمشق حمال التراب، ويحكم صورا الملاح، وثلاثة من البدو يتقاسمون ملك الشام، والعباسيون في الشرق والفاطميون في الجنوب لا يبدون ولا يعبدون، وعندهم القواد والأجناد، وللأحداث أي فتيان العامة في حلب ودمشق القول الفصل، يرفعون ويضعون، ويتحكمون ويعبثون بالناس وأموالهم، ويا بؤس بلاد يكون القول الفصل فيها لفوضى العامة.

كان حكام الشام يأتونها من الحجاز والعراق، فأصبحوا يكتسحونها في هذه

الأعصار من مصر والشمال، وكان العمال والقواد عربا من بني أمية وبني هاشم ومن والاهم، فصاروا مزيجا من العجم والتركمان، وكلهم سواء في ارتكاب المظالم والمغارم، متى قوي سلطان الجار يهاجم جاره، فتطل دماء الأبرياء على غير طائل. ولم تستقر المملكة على حالة معينة بضع سنين فكانت العوامل الجنسية والمذهبية تتنازعها وأهلها، وبعد أن كانت الشام في القرن الأول وثلث القرن الثاني مصدر الحياة العربية، ومنبعث القوة الحربية، أمست في القرون التالية ألعوبة أهواء الدخلاء، وطعمة الطامعين من أهل البوادي ومن جرت عليهم أحكام الرقيق من العبيد والبرابرة، وبعد أن كان للعصبيات فيها شأن في القرنين الأولين أصبحت في القرون الثلاثة التالية ضعيفة ضئيلة، لا يتعدى تأثيرها المصالح الخاصة، ولا يفكر القائمون بها في غير السلب والاعتداء.

إن تسامح العباسيين بإدخال أهل غير عصبيتهم فيهم أدى إلى انتشار كلمتهم وتمزيق جامعتهم، وما كل القواد والعمال كإبراهيم بن المهدي وجعفر بن يحيى وطاهر بن الحسين وعبد الله بن طاهر، ولا كل المتوثبين على الملك في عقلهم وسياستهم كأحمد بن طولون وسيف الدولة بن حمدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>