للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دثرت تلك الطبقة الممتازة المختارة، وخلف من بعدها خلف من القواد والرجال ليسوا في الأكثر على شيء من حسن السياسة والإدارة. إذا كان لهم جيش عظيم رهبهم الناس، وإلا فالحكم للصعاليك والسلبة، وهم أول الطامعين في السلطان، العاملين على نقض بنيان الأوطان، والناس بين مظلوم وظالم، ومتخوف ومخيف. والمنافسة بين الأمراء على أشد حالاتها، والشام مقسم الأجزاء بين كثيرين في سياسته الداخلية والخارجية، مصر من الجنوب تشده، وبغداد من الشرق تريد أن تسترده، والطامعون فيه من الترك والتركمان والروم والقرامطة والعبيد والخدم والمماليك يسطون عليه فيدمرون عمرانه، ويهلكون أهله وسكانه، والناس في الواقع لا

يعرفون لهم سيدا معينا لتفرق قلوبهم، وتباين منازعهم. وصاحب حمص غير صاحب حلب، وصاحب دمشق غير صاحب صور أو الرملة، مملكة هذا حالها تموت بحكم الطبيعة، ولا تستريح من الغوائل نحال. والجسم يعيش بروح واحد وتعدد الأرواح يستلزم تعدد الأجسام.

بعد أن قتل القرامطة الباطنية أهل مدن برمتها من هذا القطر استنجد أهل أعظم مدينة فيه بهم، فوافوا يجوسون خلال ديارهم لينقذوها من دولة الفاطميين المسلمين، وبعد أن ثبت أن الروم هم أعداء الشام بلا مراء، أصبح أمراؤه يستغيثون بهم على أبناء ملتهم ليصفو لهم ملكهم الذي يريدون أن يعيشوا فيه قيد الأسر لعدوهم الخارجي، ويستكثروا من القصور والجواري والمماليك والحاشية والغاشية ليكون كل صاحب مقاطعة في أبهته كخليفة الوقت وزيادة. يسلبون نعمة الرعية لينعموا بما سلبوا، كمن يحاول نقض أساس بيته، يجمل خارجه بإطار جميل، أو يذهب شرفته، وجدرانه. وبينما كان العزيز الفاطمي يبث دعاته لنشر التشيع في الأقطار التي انضوت إلى علمه، ويقتل هو وآله علماء المالكية لتشددهم في التسنن، كان جمهور المسلمين غاضبين في مصر والشام لأنه وسد الأمر بمصر لرجل من الأقباط اسمه نسطورس، وقلد أموال الشام لإسرائيلي اسمه منشا يجمعان الأموال، يوليان أبناء نحلتهما الأعمال، ويعدلان عن الكتاب والمتصرفين من المسلمين، فعمد بعضهم في القاهرة إلى مبخرة

<<  <  ج: ص:  >  >>