من حديد وألبسها ثياب النساء وزينها بإزار وشعرية، وجعل في يدها قصة على جريدة، وكتب فيها رقعة ليراها العزيز عند مروره وهي: بالذي أعز جميع النصارى بنسطورس وأعز جميع اليهود بمنشا وأذل جميع المسلمين بك إلا ما رحمتهم وأزحت عنهم هذه المظالم فتوسطت ست الملك ابنة العزيز لنسطورس بالعفو. فحمل إلى الخزانة ثلاثمائة ألف دينار، وأعاده إلى ما كان ناظرا فيه وشرط عليه استخدام المسلمين في
دواوينه وأعماله. أما منشا فقتل إذ لم يستشفع فيه أحد. تناقض في التسامح غريب في بابه، وأصول في الإدارة لم يلاحظ فيها نزع العلة التي يشتكي منها، بل كان ينظر فيها لمنفعة الخزانة، أما الرعايا فأمرهم لله، وحسابهم على سواه.
ولقد جاء في الفاطميين وزراء عقلاء مثل الوزير ابن كلس المتوفى سنة ٣٨٠ الذي نصح للعزيز في مرض موته بقوله: سالم يا أمير المؤمنين الروم ما سالموك، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة، ولا تبق على المفرج بن دغفل بن الجراح متى عرضت لك فيه فرصة وكان ذلك غاية الغاية في سياسة الملك لأن الروم أُمة قوية عزيزة لا تخنع لجيرانها خلفاء مصر ولا لخلفاء بغداد، وهي تراهم مختلفة كلمتهم جد الاختلاف متعبين في داخليتهم، مشتغلين بالمنتقضين على سلطانهم، فقد أجاب العزيز الروم سنة ٣٧٧ إلى الصلح واشترط شروطاً شديدة التزموا فيها كلها. منها أنهم يحلفون أنه لا يبقى في مملكتهم أسير إلا أطلقوه. وأن يخطب للعزيز في جامع قسطنطينية كل جمعة، وهادنهم سبع سنين. أما الدولة الحمدانية فإنه على ما يظهر لم يعجل انقراضها إلا اعتصامها في آخر أمرها بالروم، ونفضها يديها من طاعة العباسيين وطاعة الفاطميين معا، فاستهان بها عدوها وصديقها، ودب الفساد ودخلت الدسائس وكان في ذلك زوالها، وأما المفرج بن دغفل أمير بني طيىء وسائر العرب بأرض فلسطين، فإنه كان عدوا لدودا للفاطميين، قريبا من دار ملكهم يهددهم كل يوم، وربما استطاع أن يستنجد بملوك الشرق على نقض عرى الملك الفاطمي. فهو بدوي والأعراب أي البادية ما دخلوا بلدا إلا أسرع إليه